إقتراح حزب الكتلة الوطنية اللبنانية

 لمشروع تعديل قانون إنتخاب المجلس النيابي في لبنان:

الإنتخاب على اساس الدائرة الفردية بدورة واحدة وفقا للنظام الاكثري

مقدمة عامة

تصميم المقدمة

القسم الاول:  عرض لمشروع النظام الانتخابي الأكثري بحسب الدائرة الفردية

1 – في الحيثيات

2 – النظام القائم على الدائرة الفردية، نظام مساواة بين المواطنين

3 – حسناته وأسباب المفاضلة بينه وبين سائر الأنظمة الانتخابية

القسم الثاني: ابرز المخالفات الانتخابية المسجلة في إطار الانتخابات النيابية التي جرت بعد الطائف، لاسيما انتخابات عام 2000 وألاجراءات المقترحة للحد منها في مشروع القانون الجديد

1- في مخالفات ما قبل يوم الاقتراع

2- في المخالفات القانونية يوم الاقتراع

3- الاجراءات الواجب اقرارها في مشروع القانون الجديد للحد من المخالفات المذكورة اعلاه

الخلاصة

القسم الاول

عرض لمشروع النظام الانتخابي الأكثري القائم على الدائرة الفردية

اولا: في الحيثيات

تألم الشعب اللبناني في السنوات الماضية من جراء التلاعب الذي جرى تباعاً في القوانين الانتخابية التي كانت تضعها السلطة بهدف تزوير إرادة الناس وتركيب توجهات مصطنعة لاتجاهات الرأي في لبنان.

وفي حين كان الناخب اللبناني ينتظر بترقب وقلق مواعيد الانتخابات للتعبير عن رأيه بشكل حرّ وديمقراطي، كانت السلطة في كل مرة تفبرك قانون انتخاب على قياس مشيئة إقليمية، فتستحدث مقعد لطائفة معينة انطلاقاً من أصوات معدودة للناخبين لخدمة أحد الحلفاء أو الموالين وتعمد الى توسيع دائرة انتخابية معينة لتوسيع رقعة نفوذ أحد الزعماء الطائفيين الموالين، والى تضييق دائرة انتخابية أخرى لتضييق رقعة نفوذ زعيم أو تيار معارض. ولعل السمة الأساسية للأنظمة الانتخابية التي نصت عليها قوانين الانتخاب المتعاقبة تقوم على اجتماع عنصرين اثنين:

‌أ- اعتماد النظام الانتخابي الأكثري البسيط على اساس القوائم الانتخابية والدوائر الكبيرة بصورة ثابتة.

‌ب- تقسيم الدوائر على شكل مختلف في الدورات الانتخابية المتلاحقة، علماً ان الاختلاف في التقسيم قد شهد وتيرة متسارعة بعد انتهاء الحرب.

والواقع ان اعتماد هذين العنصرين إنما هدفا في الغالب إلى إعطاء السلطة هامشاً واسعاً للتحكم في نتائج العملية الانتخابية. وهذا الأمر يزداد حدة بقدر ما تبتعد الدولة عن مفهوم المصلحة العامة لتصبح أداة في أيدي القيمين على النظام.

ان التدقيق في هذا النظام يبرز عيوبه وربما في الوقت نفسه، أسباب تمسك السلطة اللبنانية.  ومن ابرز هذه العيوب:

أ–    ممارسة الناخب لحقه الانتخابي على أساس الصوت الفاعل vote utile وذلك لمصلحة المرشح او اللائحة ألاوفر حظاً، حتى ولو كان يفضل ضمناً مرشحاً آخر. وهذا ما يؤدي إلى تهميش الأوجه والآراء والقوى الجديدة في المجتمع في حال لم تتمكن من "الدخول" الى اللوائح الرئيسية.

ب–  تعزيز التطرف الفئوي والزبونية وصرف النفوذ. ويزداد هذا الامر حدة مع انقسام الناخبين على أساس طائفي، ذلك ان من شأن النظام الأكثري كما هو معتمد حاليا أن يؤدي إلى تجريد الأصوات العائدة للأقليات الطائفية – أيا كان حجمها – من أي وزن أو تأثير في العملية الانتخابية. وهذا ما يشكل أيضاً عاملاً لفرض هيمنة البعض على الآخر، مما ينقص حجم الثقة ويدفع المواطنين إلى مزيد من الفرقة والتباعد.

والنظام المذكور لاقى انتقادات متزايدة في الدول التي كانت تعتمده وذلك بهدف تحقيق تمثيل أفضل وأحياء اهتمام المواطن بالانتخابات بشكل يجدد الحياة السياسية. من هنا كان لا بد من الاقلاع نهائيا عن نظام الاقتراع الاكثري بالقوائم والدوائر الكبيرة الذي لم يعد مستخدما في العالم الديموقراطي والاتجاه اما الى نظام الاقتراع الاكثري في دوائر فردية صغيرة، في حال بقي النظام الاكثري احدى السمات الاساسية للنظام الانتخابي اللبناني.

اما من ناحية تقسيم الدوائر الانتخابية، فهو يشكل أمرا أساسيا في العملية الانتخابية، طالما انه يحدد «من ينتخب من؟» وتالياً مجموعة الناس التي تعطي النائب صفته التمثيلية. وتغيير تقسيم الدوائر في العمليات الانتخابية المتلاحقة قد بات في الواقع سمة من سمات النظام اللبناني. وذلك يعود لعوامل عدة يرتبط غالبها بسواد البراغماتية في التشريع بما يؤمن مصالح فئوية أو شخصية معينة، بعيداً عن أي محاولة لإجراء تقسيم موضوعي مبني على معايير ثابتة مستمدة من المصلحة العامة. وأبرز هذه العوامل هي الآتية:

أ – وجود مناطق نفوذ لبعض الزعماء في لبنان، بحيث يكون لهؤلاء الزعماء مصلحة أكيدة بتحديد حجم الدائرة تضييقاً أو توسيعاً ليكون متطابقاً مع مقدار نفوذهم. وهذا الأمر يخلق دون ريب تجاذباً ما بين أصحاب النفوذ وسائر الفرقاء، ويؤثر حتماً في النتيجة على التقسيمات.

ب – العامل الطائفي وتحولاته: وهذا العامل هو أيضاً أساسي بحيث أن حجم الدائرة وماهيتها يحددان "لونها" الطائفي. وهنا أيضاً تشهد الأنظمة الانتخابية تحولات دائمة، فغالباً ما تهدف إلى تأمين دوائر بلون واحد أو بلون غالب، فيما هي نادراً ما تسعى إلى تحقيق التخالط المتكافئ. وتتواكب هذه الخيارات إجمالاً مع الخيارات المتصلة بمناطق النفوذ المبني على الطائفية. وإذا كان الخيار الثالث – التخالط المتكافئ – هو الأفضل منطقياً والأكثر انسجاماً مع الدستور، فإن الأخذ به يزداد صعوبة – ليس فقط لغياب الإرادة – بل أيضاً على ضوء التغيير الديموغرافي الذي أدى إلى خلل متزايد في التوازن العددي ما بين المسلمين والمسيحيين.

ج – الاستنساب السياسي للسلطة الحاكمة على ضوء ما تحتاج إليه من تحالفات، أو من تشدد أحكاماً لسيطرتها أو من تسامح مع الرأي المخالف تحسيناً لصورتها. وتوجه السلطة على هذا النحو يصب إجمالاً في سعيها إلى توسيع الدوائر لكونها الأقدر على رعاية التحالفات الواسعة في ظل الغياب الكامل للأحزاب الكبرى. وهذا ما عرف بنظام المحدلة أو البوسطة.

وهذا العنصر بدأ في فترة ما بعد الحرب مرجحاً فضلاً عن أنه بلغ مستويات عالية من التعسف في التقسيم على نحو يخل بالحد الأدنى من المعايير الموضوعية فغالباً ما تكون هذه الدوائر غير متساوية فيما بينها (لا حجماً ولا ديموغرافياً ولا في المقاعد المخصصة لها) أو تشمل مناطق جغرافية تنتقص إلى الروابط السياسية ان تقسيم الدوائر تلك يتم بموجب أحكام القانون الذي يمكن الطعن به أمام المجلس الدستوري خلال 15 يوماً من تاريخ نشر القانون في دائرة انتخابية واحدة. ولكن أغرب ما في الأمر هو ان المجلس الدستوري اللبناني نفسه قد وقع في فخ "البراغماتية" حين شرع تقسيم الدوائر على نحو غير متساو بحجة وجود ضرورة وعلى شرط أن ينص القانون على أنه (استثنائياً ولمرة واحدة فقط -  قرار رقم 4/96 بتاريخ 7/8/1996). 

فكانت النتيجة تفاوت صارخ في حجم الدوائر (دوائر من مقعدين أو ثلاثة وأخرى من 19 أو 23 مقاعد). فكان المواطن في منطقة يختار نائبين ومواطن آخر في منطقة أخرى يختار 19 نائباً أو 23 نائب.

وهذا كله أدى الى تصدع الوحدة الوطنية وشعور أغلبية المواطنين بأنهم عرضة لعملية استغباء وانهم ألعوبة في يد مخططين مشبوهين يرسمون نتائج الانتخابات التي يريدون ويفصّلون النظام الانتخابي على قياس تلك النتائج.

وفي الواقع كانت التحالفات المفاجئة والمتقلبة تدفع الى تركيب لوائح معلّـبة من اناس لا يجمعهم شيئاً أحياناً إلا اللحظة الانتخابية ومشيئة "مهندس تلك الانتخابات". وفي أغلب الأحيان لم يكن المواطن يعرف المرشحين الذين كان ينتخبهم أو لماذا هم في هذه اللائحة معاً.

كما وأن هذا التلاعب أدى الى تذويب اتجاهات الرأي المتنوعة التي يتميز بها المجتمع اللبناني والتي هي من ميزات المجتمع السياسي الديمقراطي ومصدر غنى للسياسة وللمواطنين على حدٍ سواء. فإذا بالدوائر المعلّـبة تعمد الى تكريس هيمنة فريق سياسي موالي على اتجاهات رأي معارضة فلا تدفعها الى خسارة نسبية فحسب بل تمحوها تماماً وتلغي وجودها كأنما لم تكن.

وهذه الممارسة جعلت النظام السياسي اللبناني ينزلق الى عائلة الأنظمة الأحادية حيث الانتخابات أشبه بالاستفتاء الذي تفوق نتائجه الـ 98%  من الأصوات.

وقد تعاظم تأثير المال من خلال هذا التلاعب، من مال طائل يدفعه بعض أصحاب النعمة وبعضهم من حديثيِّها للأيادي الخفية التي ترسم ملامح النظام الانتخابي الى مال كبير ينفقه بعضهم الآخر للدخول الى لائحة /  " بوسطة "  لا يستشار في تأليفها أي جهاز حزبي ولا أي لقاء انتخابي ولا تقوم على أي برنامج واضح للتحالف. فكان الدخول الى اللائحة أشبه بشراء مقعد وبالنسبة لأصحاب النعمة فشراء مقعد أشبه بشراء بطاقة دخول الى السينما أو المسرح.

وانطلاقاً من " تمثيلية الانتخابات النيابية "  كانت تتواصل مسرحية العمل السياسي الديمقراطي في لبنان فيما الفساد يعّم والإلغاء والتهميش يتسعان ودائرة صناعة القرار الوطني تضيق وتدخل في الظلمة في مناخ دولي يدعو الى المزيد من  الشفافية والمشاركة الحرة والمحاسبة. 

ثانيا: نظام الدائرة الفردية أو نظام المساواة بين المواطنين في الانتخابات

يعتمد نظام الدائرة الفردية مبدأ ان لكل مواطن صوت ولكل مواطن حق اختيار أحد أعضاء المجلس النيابي. والدائرة الفردية معتمدة في 110 دول منها دول متطورة ومنها دول نامية، بعضها من الشمال وبعضها الآخر من الجنوب، منها دول غربية ومنها دول عربية.

يقضي هذا النظام، في مرحلة أولى، بتقسيم الدوائر الانتخابية الحالية الى دوائر فردية بحسب عدد المقاعد النيابية المخصصة لكل دائرة، على ان يحافظ على اكبر قدر ممكن من التوازن في حجم الدوائر لناحية عدد الناخبين على مستوى لبنان.

  • يجري تقسيم الدوائر في ضوء النسيج الاجتماعي التاريخي في كل منطقة ويتقاطع مع جغرافية المنطقة بحيث يشعر المواطنون انهم اصبحوا أكثر قدرة على اختيار حقيقي في ما بين المرشحين في دائرتهم الانتخابية.

يكون هناك 128 دائرة انتخابية موّزعة مرحلياً بحسب التوزيع الطائفي المعتمد حالياً. تجري الانتخابات في دورة واحدة وفي كل الدوائر دفعة واحدة.

ويفوز بالانتخابات المرشح الذي ينال العدد الأكبر من الأصوات في الدائرة التي ترشح فيها.

في مرحلة لاحقة يمكن إلغاء التوزيع الطائفي ويصبح بإمكان أي مواطن ان يترشح حيث يريد، بحيث يصبح التمثيل الطائفي محصورا في مجلس الشيوخ المقترح انشاؤه في اتفاق الطائف.

ثالثا: حسنات نظام الدائرة الفردية وأسباب المفاضلة بينه وبين سائر الأنظمة الانتخابية

1-  حسناته:

من حسنات هذا النظام أنه:

‌أ- يكرس المساواة التامة بين المواطنين في حق اختيار نوابهم.

‌ب- يدفع المرشحين الى مواجهة الناخبين مباشرة وأجراء حوار معهم بحيث يتفاعلوا مع إرادة الناس وتوجهاتها وتطلعاتها بدل التوجه نحو المهندسين القابعين في الخفايا لتعليب اللوائح.

‌ج- يخفف من تأثير عامل المال في الحياة السياسية عبر تخفيض النفقات الانتخابية، فيضمن مساواة أكبر في فرص الترشيح للانتخابات بين المواطنين أياً كانت قدراتهم الاقتصادية.

‌د- ينزع من اللاعبين الكبار – وبعضهم غير معروف – القدرة على اختيار مرشحين عن المناطق من دون العودة الى الناس، فيخفف من الهيمنة ويكون النواب أكثر حرية في عملهم.

‌ه- يكرس المساواة بين الجنسين إذ يخفّ تأثير القاعدة الوراثية في الحياة السياسية ويعيد مسألة تشكل النخبة الى قاعدة المنافسة الشفافة بين الأشخاص.

‌و- يجدد الخطاب السياسي عبر تعزيز التواصل وتضمين البرامج الانتخابية حاجات الناس مباشرة.

‌ز- يساهم في تجديد النخبة السياسية في لبنان عبر شروط المساواة بين المواطنين ناخبين كانوا أم مرشحين.

2– في أسباب المفاضلة بين نظام الدائرة الفردية وبين سائر الأنظمة الأخرى:

‌أ- إنه نظام بسيط

‌ب- إنه نظام شفاف غير قابل للتلاعب

‌ج- إنه نظام خفيف الكلفة

‌د- إنه نظام يعيد التنافس الى الطائفة الواحدة أو العائلة الواحدة أو العشيرة الواحدة بدل الشعور بالمواجهة بين الطوائف.

‌ه- يخفف من هيمنة الاكثريات وفي حالات الاختلاط الطائفي يعطي قوة تأثير للاقليات فتتحول الى بيضة القبان في المنافسة بين مرشحين من الطائفة الأكبر عددياً.

‌و- يدفع الى الاعتدال في الخطاب في ضوء الحاجة لتشكيل أكثرية للحكم.

‌ز- يعيد الحرية الى المواطن ويكرس دوره في اختيار ممثليه أياً كانت الضغوطات الآتية من فوق أو من الخارج.

القسم الثاني

ابرز المخالفات الانتخابية المسجلة في إطار الانتخابات النيابية التي جرت بعد الطائف وألاجراءات المقترحة للحد منها في مشروع القانون 

(ملاحظة: يستند عرض هذه المخالفات الى تقارير "الجمعية البنانية من آجل ديموقراطية الانتخابات" المنشورة على موقعها على شبكة الانترنت  www.ladeleb.org)

أولا: في مخالفات ما قبل يوم الاقتراع

1- عدم حياد السلطة:

إن أهم ما ميّز مرحلة التحضير للانتخابات السابقة كان انحياز السلطة الفاضح. تجلّى هذا الأمر في عدم حيادية الجهاز المشرف على الانتخابات (وزارة الداخلية) وباستعمال موظفي الدولة لسلطتهم ووظيفتهم دعماً لبعض المرشحين وبتوظيف واستغلال الأموال والخدمات العامة لمصالح انتخابية خاصة. فقد جرى استخدام إدارات الدولة المدنية وأجهزتها العسكرية والأمنية في دعم مرشحين ولوائحهم، بما في ذلك استخدام كافة أشكال الترهيب والتهديد الممارس على الناخبين و"المفاتيح الانتخابية" وذلك لصالح بعض اللوائح ولمنع انتخاب بعض المرشحين.

كما لوحظ أيضاً أن عدداً كبيراً من المخاتير استعملوا وظيفتهم لدعم مرشحين وأن عدة بلديات وضعت موظفيها وخدماتها وأموالها تحت تصرف بعض اللوائح النافذة بقيادة الزعامات السياسية ومقربين من دوائر السلطة.

من جهة أخرى، بلغت التدخلات في تركيب اللوائح درجة استثنائية لم يشهد لها مثيل. وقد برز ذلك في تأليف اللوائح وعقد التحالفات الانتخابية وفرض مرشحين على بعض اللوائح وإبعاد آخرين عنها. كما تجلت هذه التدخلات في ممارسة ضغوط لمنع تشكيل لوائح انتخابية معارضة أو لإضعافها عن طريق منع دخول بعض المرشحين إليها. ومارست أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية هذه الضغوطات في مناطق عديدة لا سيما في دوائر الشمال وجبل لبنان والجنوب.

2- الضغوطات السورية:

مارست السلطات السورية تدخلاً مباشراً في العملية الانتخابية وعلى عدة مراحل ابتداءً من تدخلها خلال وضع قانون الانتخاب وبالتحديد تقسيم الدوائر. أما الدور الأبرز فكان لأجهزتها الأمنية التي مارست تدخلاً سافراً في يوميات الانتخاب في كافة الدوائر. تمثل هذا التدخل بالضغط على الأحزاب والقوى السياسية والمرجعيات الوطنية لإجبار البعض على الدخول في تحالفات أو لإفشال قيام تحالفات أخرى أو في التدخل في تشكيل اللوائح، كما تجلّى ذلك من خلال الإعلام وإعلان الرضا عن مرشحين وغيرها من التدخلات بما فيها فرض مرشحين على اللوائح. بالإضافة إلى استعمال الضغط والترهيب على الناخبين و"المفاتيح الانتخابية" لصالح بعض اللوائح أو لمحاولة منع الناخب من انتخاب بعض المرشحين لا سيما في الشمال والبقاع.

3- دور المال:

لعب عنصر المال دوره في الانتخابات السابقة بشكل مباشر وسافر لعدم وجود قانون يحدد سقف المصاريف المالية خلال الانتخابات. وأبرزت انتخابات عام 2000 أكثر من غيرها أهمية احترام مبدأ تكافؤ الفرص للمنافسة الانتخابية والحاجة للمساواة أمام الناخب، حيث شكل المال عاملاً أساسياً في كسب الولاء وإعداد الحملات الدعائية وانعدام تكافؤ الفرص. وبرز ذلك من خلال الإنفاق الواسع الذي تفاوتت تقديراته خصوصاً في بيروت والشمال وفي بعض دوائر جبل لبنان ودائرة زحلة في البقاع.

أما بالنسبة لحجم الإنفاق، فإن غياب قانون يحدد سقف الإنفاق الانتخابي، مكن المال من لعب دور كبير في التمييز بين المرشحين واللوائح حسب قدراتهم المادية المتفاوتة، بشكل يعيق ويمنع ويعطل مبدأ تكافؤ الفرص أو الانتخاب حسب البرامج الانتخابية. كما سمح عنصر المال بتمويل ماكينات انتخابية ضخمة وموارد بشرية مهمة ومراكز انتخابية عديدة، وتكليف شركات إعلان دولية القيام بالحملات الإعلانية ابتداءً من الجرائد وصولاً إلى التلفزيون واللوحات الإعلانية والصور، ودفع بدل أتعاب للمندوبين وتأمين وسائل نقل للناخبين يوم الانتخاب، دون اعتماد أي سقف أو شفافية، بالإضافة إلى المباشرة بدفع أموال طائلة للمواطنين تحت ستار المساعدات الإنسانية قبل الانتخابات بمدة طويلة.

4- الإعلام والإعلان الانتخابيين:

جرت العملية الانتخابية والتحضير لها في إطار دعاية انتخابية محمومة لم تصل إلى هذا المستوى من قبل لا سيما في استخدام الإعلام المرئي والمسموع الرسمي والخاص. فقد انحاز الإعلام الرسمي بشكل فاضح لمصلحة مرشحين ضد آخرين وقابله انحياز كامل من الإعلام الخاص المملوك من قبل مرشحين متمكنين مادياً، بظل غياب أي مساحة للمنافسة من قبل المرشحين المستقلين واللوائح المستقلة الأخرى. فجاء تعاطي الإعلام الرسمي والخاص سلبي جداً، محصوراً ببرامج مدفوعة، خالياً من أي مناظرة بين المتنافسين، وبعيداً عن الحيادية والموضوعية أو أدنى حد من التنوع مما أدى إلى حرمان اتجاهات أساسية من حق التعبير وإيصال آرائها وتوجهاتها.

فيما يتعلق بالإعلان الانتخابي، لم تقم السلطات الإدارية بتخصيص أماكن محددة للإعلانات الانتخابية المنصوص عليها بالقانون. فالأماكن القليلة التي خصصت لم تكن كافية ولا منظمة فتم لصق الإعلانات وتعليق اليافطات بصورة عشوائية مشوِّهة للمنظر العام. كما تم استعمال اللوحات الإعلانية العائدة للشركات الخاصة دون أي تنظيم، وتم استعمال السلطة للضغط على شركات الإعلان لعدم التعامل مع بعض المرشحين

5- الإجراءات التحضيرية:

برزت كذلك في هذا المجال الأخطاء في عملية الإعداد والتحضير اللوجستي وخصوصاً في لوائح الشطب، حيث برز تباين بين لوائح الشطب ولوائح الناخبين المخولين الاقتراع، أي الذين نالوا بطاقات انتخابية في حين لم تكن هذه الأخيرة بمتناول كل المرشحين. واستمرت سياسة التمييز بالتعامل مع المرشحين في إصدار البطاقات الانتخابية من جهة، وفي تصحيح أسماء الناخبين من جهة أخرى. كما قام عدد من الأحزاب والماكينات الانتخابية بحجز أو بالاحتفاظ بالبطاقات الانتخابية العائدة لبعض المجموعات من الناخبين بنيّة الضغط عليهم والتأثير على حرية اختيارهم أو حتى الغش باستعمال هذه البطاقات من قبل غيرهم وهذا خرق فاضح لقانون الانتخاب وتحديداً المادة 67 منه التي تحظر ذلك صراحة.

من جهة أخرى، جرت الانتخابات عام 2000على مرحلتين (يومي الأحد في 27 آب و3 أيلول 2000)، شملت الأولى دوائر محافظتي جبل لبنان والشمال والثانية دوائر محافظات البقاع وبيروت والجنوب والنبطية. ورغم أن ذلك يعد تقدماً وتحسناً بالنسبة إلى المراحل الخمس المعتمدة في الأعوام 1992 و1996، إلا أن وحدانية العملية الانتخابية تتطلب إجراء العملية الانتخابية في مرحلة واحدة. وذلك تدبير ضروري لمنع تأثير نتائج مرحلة انتخابية على أخرى، مما يؤدي غالباً إلى تحريف المسار الانتخابي الديمقراطي وتقرير نتائجه سلفاً.

ثانياً :في المخالفات القانونية يوم الاقتراع

على الرغم من أن تحسنا ملموسا طرأ على إدارة العملية الانتخابية يوم الاقتراع بين انتخابات عامي 1992 و1996 وتلك التي جرت عام 2000، مرده لسببين: الأول، يعود لوعي الناخبين والمرشحين والمندوبين من كافة اللوائح المتنافسة وخبرتهم بسبب مشاركتهم في الانتخابات السابقة، والثاني، يعود أصلاً إلى أن التأثير على العملية الانتخابية أصبح يتم قبل يوم الاقتراع، رغم ذلك سجل استمرار مخالفات عديدة أبرزها:

1- عدم احترام حرمة المراكز الانتخابية:

أبرز المخالفات وأهمها في يوم الاقتراع كان عدم احترام حرمة المراكز الانتخابية حيث أن السلطة المشرفة على العملية الانتخابية ذاتها تركت القوى والأحزاب المهيمنة تسيطر على المراكز الانتخابية وتحولها إلى شبه مكاتب انتخابية لها،. وصل ذلك في بعض الأحيان إلى قيام بعض الأحزاب بإدارة العملية الانتخابية في مركز الاقتراع مع خضوع رؤساء الأقلام والقوى الأمنية لها وتلبيتهم لأوامرها.

إضافة إلى ذلك، تعرض الناخبون في عدد من المناطق لضغوط من قبل مندوبي المرشحين الذين قاموا بحجز بطاقاتهم الانتخابية وبمواكبتهم إلى أقلام الاقتراع وأحياناً إلى المعزل محاولين بالترهيب والتهديد التأثير على اقتراعهم. كما رفعت شعارات انتخابية وصور لمرشحين داخل عدد من المراكز الانتخابية وحتى في بعض الدوائر داخل قلم الاقتراع ووضعت أوراق اقتراع مطبوعة داخل المعزل في عدد كبير من أقلام الاقتراع في كافة الدوائر.

2- عدم التقيد بالإجراءات القانونية لعملية الاقتراع:

في أغلب الأحيان، لم يتقيد رؤساء الأقلام بالإجراءات القانونية للاقتراع، وقد برز ذلك في عدم القيام بتعداد الظروف قبل بداية العملية الانتخابية وعدم توقيع الظرف من قبل رئيس القلم والكاتب وأحد معاوني رئيس القلم أمام الناخب قبل تسليمه اياه والسماح للناخبين بعدم استعمال المعزل وقد مورس ذلك بكثافة في الجنوب مثلا.

كما رصد تواجد لقوى الأمن الداخلي داخل أقلام الاقتراع دون طلب مبرر من رئيس القلم وذلك في أكثرية الأقلام الانتخابية ورصد عدم وجود لائحة رسمية بأسماء المرشحين وأوراق بيضاء وأقلام رصاص داخل المعزل في العديد من الأقلام.

ورصد أيضاً عدم تعيين معاونين لرئيس قلم الاقتراع أو اقتصار التعيين على رئيس قلم الاقتراع في حين أن القانون ينص على وجوب اختيار نصف المعاونين من قبل الناخبين الحاضرين عند افتتاح قلم الاقتراع.

كل ذلك يطرح مشكلة عدم جهوزية الموظفين المولجين القيام بمهمتي رئيس القلم والكاتب، والقوى الأمنية المكلفة بحماية مراكز الاقتراع. كما أنه يؤكد ضرورة إخضاع هؤلاء لدورات تدريبية جدية تعرفهم على إجراءات الاقتراع وعلى حقوقهم وواجباتهم كما على حقوق الناخب وواجباته.

3- عدم حياد الجهاز المشرف على العملية الانتخابية:

من أخطر المخالفات التي سجلت يوم الاقتراع كانت انحياز الموظفين المكلفين بإدارة العملية الانتخابية والعناصر العسكرية المولجة حفظ الأمن في عدد من الدوائر. فقد برز في انتخابات عام 2000، لاسيما في دائرتي المتن والجنوب، تواطؤ واضح بين بعض رؤساء الأقلام والكتبة وعناصر قوى الأمن من جهة، والماكينات الانتخابية لأحزاب ومرشحين خاصة الوزراء منهم من جهة أخرى، وقد وصل ذلك أحياناً إلى حد التنسيق والتعاون بين هؤلاء لخدمة "مرشحي السلطة" وتسهيلاً لانتخابهم.

من جهة أخرى وضعت خدمات وأموال عامة في خدمة بعض المرشحين يوم الاقتراع، فاستعملت مثلاً آليات تعود للدولة أو للبلديات من قبل بعض الماكينات الانتخابية لمرشحين لنقل ناخبين مؤيدين لهم، كما حولت أبنية رسمية إلى مكاتب انتخابية لمرشحين.

4- الرشوة:

سجلت حالات توزيع أموال أو خدمات يوم الاقتراع في محاولات لشراء أصوات ناخبين في دوائر عديدة.

ثالثا: الاجراءات المقترحة في مشروع القانون للحد من المخالفات المذكورة اعلاه

يتبين مما تقدم أن هنالك حاجة من اجل صياغة قانون انتخابي جديد بعد مرور أكثر من نصف قرن على القانون الحالي وهي حاجة ماسة لانتظام الحياة السياسية وانبعاث طبيعي للحيوية فيها والى دقة التمثيل بما يفيد حق الاختيار الافرادي وحق الجميع بالتمثيل الصحيح. وبالتالي فان هذا القانون لا يمكن أن يبقى محصوراً في نطاق تقسيم الدوائر واعتماد الدائرة الفردية كحل لجزء كبير من المشاكل التي تعاني منها الحياة السياسية بل يجب أن يتعداه ليشمل كافة العملية الانتخابية، مما يشمل:

1- الجهاز المشرف على الانتخابات:

لقد أصبح من الضروري أن تقوم هيئة حيادية بالإشراف على الانتخابات على أن تنقل إليها كل صلاحيات وزارة الداخلية من إشراف وإدارة وتكون من مهامها الأساسية ضمان مناخ مؤات لنشاط كل المرشحين العلني، ومنع الموظفين المدنيين والعسكريين من استعمال موقع الوظيفة لغاية انتخابية، وتأمين حرمة المراكز الانتخابية الخ... وتستمر هذه الهيئة في مهامها لغاية إعلان النتائج .

2- السقف المالي للنفقات الانتخابية وتنظيم الإعلام المرئي والمسموع خلال الحملة:

طرحت الحكومات السابقة بعض مشاريع قوانين لتنظيم الإعلام والإعلان الانتخابيين ولتحديد سقف النفقات الانتخابية لكنها لم تراع المعايير الديمقراطية المطلوبة في هذا المجال. وفي مطلق الأحوال، تم التراجع عنها بسبب ضعفها ولتعارضها مع مصالح عدد من السياسيين. وهكذا بقي قانون الانتخاب دون أن يرافقه أي تنظيم للإعلام والإعلان الانتخابيين وتحديد سقف النفقات الانتخابية، حيث لعب هذان العاملان دوراً أساسياً في المعارك الانتخابية وفي تقرير نتائجها.

ويتضمن المشروع المقترح كجزء لا يتجزأ منه:

- تحديد سقف حقيقي وواقعي للنفقات الانتخابية مع تقديم جردة حسابات قابلة للتدقيق والطعن عن مجمل النفقات التي قد تعتبر نفقات انتخابي لفترة تمتد على ستة اشهر على الأقل قبل العملية الانتخابية.

- تنظيم الإعلان المجان في أمكنة محددة لكل مرشح بما يسمح بمراعاة حقوق الجميع بالتساوي.

- جعل النقل العام مجاني أيام الانتخابات.

ومن جهة أخرى،

إن تنظيم الإعلان المرئي والمسموع يجب أن يمتد من تاريخ دعوة الهيئات الانتخابية حتى صدور النتائج وفق قانون ملزم يوضع بالتشاور مع القطاع الإعلامي يمنع البرامج المدفوعة ويؤمن احترام مبدأين أساسيين يجب أن يتوفرا معاً لدى كل وسيلة إعلامية مرئية أو مسموعة:

- حد أدنى موحد من الوقت يؤمن لجميع مرشحي لبنان.

- وحق متساوي في الظهور الإعلامي للمرشحين في جميع الدوائر.

 

الخلاصة

ان النظام الانتخابي القائم على الدائرة الفردية يتأسس على نقض السيئات التي تشوب سائر القوانين الانتخابية التي عرفناها في لبنان وهو يسمح بتعزيز موقع المواطن في مواجهة التعليب والفبركة والبوسطات والمحادل والمال السياسي وهيمنة أصحاب النعمة على القرار الوطني.

وربما كان أهم ما في هذا النظام انه يفتح باب التجديد في الحياة السياسية ويشجع المواطنين على المشاركة سواسية في الانتخابات، اقتراعاً وترشيحاً، رجالاً ونساءً ، أياً كانت الفوارق والفروقات في ما بينهم.